صحيفة الإتحاد وتغطيتها لتكريم الطالبة دعاء
دعاء عبد الرؤوف: أرى بعيون أهلي دبي ـ تحرير الأمير:في الوطن العربي الكبير سبعة ملايين شخص من المكفوفين أو ضعاف البصر، يعاني معظمهم من تهميش وضياع حقوق، ويعيشون في ظلام دامس وتحت ظروف قاهرة، ويتوزعون على جميع الأقطار العربية · هذا ما تقوله إحصائية منظمة الصحة العالمية للسنتين الماضيتين، ورغم أن الرقم فجائعي، ويصيب المرء بأكثر من الأسى إلا أن الأمر الأكثر فجائعية أن تندرج قرية بأكملها في تونس ضمن الإحصائية المذكورة، وتعزو المنظمة وجود هذه الأعداد إلى سوء التغذية والفقر المدقع وإتباع وسائل العلاج البدائية فضلا عن الأسباب الوراثية.لكن هذا الوضع على الرغم من مأساويته لا ينبغي أن يحجب عنا بعض النواحي الجميلة التي تبرز في قصص المكافحين والعصاميين الذين جعلوا ''الدنيا حلوة'' بإرادتهم وعزيمتهم القوية، وأضاؤوا سدف الظلام الدامس بحكاياتهم المضيئة·من هؤلاء فتاة تعيش في أبوظبي، قهرت الظلام ونفضت غبار الوهن والتراخي بالصبر والتكنولوجيا، وبتضافر الأسرة وعون الأصدقاء حتى احتل اسمها مساحة في أخبار الصحف المحلية وعناوينها مؤخرا··· لكن ما هي حكاية هذه الفتاة وماذا فعلت؟دعاء عبد الرؤوف، هذا هو اسمها، أما فعلها الجميل فهو أنها حصلت على المرتبة الأولى في الثانوية العامة، وبمعدل 99,8 على الرغم من ضعف بصرها الشديد، وأمام هذا التفوق الإنساني الفريد والإنجاز العلمي المبهر رأت ''دنيا الاتحاد'' أن أجمل تكريم لهذه الطالبة هي نشر قصتها عبر التقرير التالي: تقول دعاء عبد الرؤوف: ''لقد شاءت الإرادة الإلهية أن تحرمني من نعمة البصر وأنا في الثامنة من عمري، لكن هذا الحرمان لم يحصل دفعة واحدة بل بشكل تدريجي، حيث اتضح حسب تقارير الأطباء أنني أعاني من حالة وراثية وخلل جيني أدى إلى ضمور في العصب، ولكن بالمقابل فان الله سبحانه وتعالى منحني ذهنا متوقدا وعقلية شغوفة بالعلم''·وتتابع دعاء: ''لقد اعتدت المذاكرة لساعات طويلة يوميا بمساعدة الأهل كما لم تبخل علي مديرة مدرسة عائشة بنت أبي بكر ومعلماتها أيضا في منطقة أبوظبي التعليمية بأي شيء، وفي الامتحانات تم تخصيص لجنة خاصة لي فضلا عن تكبير الخط لي نظرا لأنني أرى بنسبة 30 %''·بين الحفظ والفهموعن دور الأم والأسرة تقول: ''والدتي تعمل موجهة رياضيات في منطقة أبوظبي التعليمية، وقد دأبت على المذاكرة لي بصوت مرتفع بالتناوب مع أشقائي المبصرين ووالدي الذي يعمل في الإدارة العامة لشرطة أبوظبي· وفي فترة امتحانات الثانوية العامة اتبعت نظاما قاسيا حيث كنت أذاكر يوميا نحو 12 ساعة مستعينة بعدسة مكبرة، فضلا عن أن والدي ووالدتي وإخوتي يتناوبون على القراءة بصوت مسموع فقد تحولوا إلى عيون تبصر لي''·وتشير دعاء إلى أنها عانت كثيرا من المواد التي تعتمد على الحفظ، تقول: ''اللغة العربية كانت من بين المواد التي سببت لي عناء وشقاء شديدين نظرا لحاجتها للحفظ أكثر من الفهم، حيث أنني أفضل المواد التي تعتمد على الفهم كالرياضيات والفيزياء''·نعم للاندماج·· لا للعزلوترفض دعاء فكرة وجود مدارس تقتصر على المكفوفين أو ضعيفي البصر موضحة: ''لا اعتقد أن وجودنا في أماكن خاصة بنا كالمدارس والمعاهد وغيرها أمر إيجابي، فنحن أحوج ما نكون إلى الاندماج مع من حباهم الله نعمة البصر ليكونوا عونا لنا، كما أننا لا نريد مزيدا من العزلة· وأحمد الله على أنني من المواظبين على أداء صلواتي الخمس وصلاة الشكر يوميا وتلاوة القرآن، كما أنني احفظ 18 جزءا من القرآن الكريم، والتحقت مؤخرا باحد مراكز تحفيظ القرآن لتعليم الصغار أصول دينهم وتحفيظهم القرآن، وقمت بإصدار مجلة دينية مدرسية تحمل عنوان (درب الهدى) وتتكون من 14 صفحة وتحتوي على أدعية وقصص دينية وهمسات إيمانية''·حافز لا عائقوتعتقد دعاء أن ''ضعف بصرها'' ليس عائقاً بل حافز على النجاح، وتقول بوعي رفيع: ''أنا أعاني من عيب ظاهري، لكن العشرات بل المئات يعانون من عيوب باطنية تخفيها الأقنعة، وهذا كله في نهاية المطاف جزاء من الله سبحانه وتعالى يوم الآخرة''، لكن هذا لا يمنعها أن تتمنى الشفاء، وأن تبحث عن سبله من وقت لآخر·تأقلمت دعاء - كما تقول - مع حالتها ، وهي تخطط لإكمال تعليمها في الدراسات الإسلامية، أو في إحدى الكليات النظرية· لكن ''بعد استخدامي لبرنامج (سوبر نوفا) المكبر والقارئ لشاشة الحاسوب فاعتقد أن الفرص لاختيار تخصصات أخرى باتت اكبر لذا فإنني اخطط لدراسة العلاج الطبيعي''·امتحان من الله''لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن اختبرنا بهذا المرض الذي حرم اثنين من أولادي وابنتي البصر'' هكذا تقول والدة دعاء، وهي تشرح لنا الحالة: ''لديّ ولدان يعانيان من الحالة نفسها، سائد ومحمد وهما من المتفوقين دراسيا· ومنذ اكتشافنا للحالة توجهنا إلى الأطباء في الدولة ومن ثم سافرنا إلى ألمانيا بغية الاطمئنان بيد أن التشخيص كان مطابقا وأملنا في الله كبير''·أما شقيقها سائد عبد الرؤوف الذي يخطط لإكمال دراساته العليا فيقول: ''إنها فكرة مدرجة على جدول أعمالي ولكنها مؤجلة إلى أن يشاء الله''· ويتابع: ''حصلت على بكالوريوس قانون مع مرتبة الشرف واعمل حاليا محاضرا في إدارة معاهد ومدارس شرطة أبوظبي· ومن اجل التغلب على مشكلتي أقوم بتحضير المحاضرة على نظام الـ (بور بوينت)· وعن برنامج (سوبر نوفا) قال: ''هذا البرنامج سيتيح لي فرصة العمل في المحاماة التي درستها والتي أشعر برغبة جامحة وميول منذ الصغر لممارستها''·مغارة علي باباويقول محمد عبد الرؤوف الشقيق الثالث والذي يعاني من نفس المرض: ''لقد كان التصميم والإرادة هما شعاري في حياتي، والأعمى ليس أعمى البصر بل هو أعمى البصيرة، وبفضل الله وبفضل وقوف أسرتي إلى جانبي وكذلك المؤسسات والدوائر الحكومية في الدولة ابتداء من المدرسة ومرورا بالجامعة، فقد تخرجت من جامعة الإمارات تخصص دراسات إسلامية (في ثلاث سنوات فقط)، وكنت الأول على الدفعة، ثم التحقت بدراسة الماجستير واخطط بعون الله للحصول على الدكتوراه''·ويضيف محمد: ''هذه النجاحات ما كانت تحدث لولا التسهيلات التي حظينا بها في الامتحانات وتشكيل لجان خاصة ومتابعة حثيثة من الأهل· اما برنامج (سوبر نوفا) فهو يساعدنا على تصفح الانترنت وعلى القراءة دون مساعدة من احد انه بمثابة (مغارة على بابا)·وفي السياق نفسه يقول عوده هزيم المدير التنفيذي لشركة الناطق للتكنولوجيا وهي شركة متخصصة في ميدان التقنيات المساعدة لأصحاب التحديات البصرية العرب من المكفوفين وضعاف البصر: ''إن هذه الأسرة نموذجية، فقد تجاوزت جميع المحن التي قد تدمر أي إنسان، من هنا حرصنا على دعمها لكي تقدم نماذج تحتذى من جهة، وحتى لا تتحول إلى عبء على المجتمع من ناحية ثانية، بل وتخدم وطنها كما حدث مع هؤلاء الشباب المتفوقين. وانطلاقاً من هذا الواقع واستجابةً للمتغيرات الإيجابية التي أتت بها التقنيات العصرية وما أحدثته من فرق ملموس ونوعي في حياة المكفوفين وضعاف البصر في الغرب، انبثقت فكرة تأسيس الشركة لتقدم خدماتها في هذا المضمار بأسلوب حديث ومميز مبني على الارتقاء الواعي وتحليل الاحتياجات ومن ثم توفير الحلول لتضيف بذلك لبنة راسِخَةً على طريق تعزيز دور أصحاب التحديات البصرية في تبوؤ ما يجدر بهم من مكانة، سواءً في المراحل التعليمية أو في حياتهم المهنية، مستفيدين من مجموعة من أحدث التقنيات المساعدة التي تساهم في تمكين الكفيف من التفاعل مع محيطه بكفاءة أعلى ورؤية جديدة· وتتلخص رسالة الشركة في توفير أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في الغرب من وسائل وتقنيات وتطويعها بما يتواءَمُ مع احتياجات ومتطلبات المستخدم العربي''·وعن برنامج سوبر نوفا قال: ''يهيئ برنامج سوبر نوفا حلا متكاملا لكل من الكفيف وضعيف البصر على حد سواء، نظرا لاشتماله على 3 خاصيات هامة هي: التكبير، والنطق، والكتابة بطريقة بريل، ويترك للمستخدم حرية تفعيل الخاصية التي يحتاجها وهكذا يتمكن أصحاب التحديات البصرية من استعمال الحاسوب بكفاءة تضاهي نظراءهم من المبصرين· ناهيك عن إمكانية العمل على كافة تطبيقات وندوز من معالجة النصوص والتعامل مع الجداول الالكترونية علاوة على إمكانية التراسل عبر البريد الالكتروني والإبحار في شبكة الانترنت والاهم من هذا هو استرداد الكفيف لخصوصيته التي فقدها لسنوات عديدة''·ويتابع هزيم: ''أما أهم الإنجازات التي حققتها شركة الناطق، فهي إنشاء برامج شاملة للمكفوفين من أجل إعدادهم لمواكبة تعقيدات حياتهم اليومية ومن ثم تهيئتهم للعمل في العديد من المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة· وقد نجحنا في تأهيل عدد من المكفوفين لتوظيفهم في وظائف مختلفة· وتهيئة موقع شبكة الإنترنت لتتوافق مع متطلبات المكفوفين''·تكنولوجيا عربيةتأسست شركة الناطق في أواخر عام 1999 من قبل بعض المهاجرين العرب إلى أميركا· وقد انبثقت هذه الفكرة من حقيقة قاسية لمسها المؤسسون وهي غياب جهات فاعلة تقوم على توفير أحدث التقنيات الخاصة بالمكفوفين وأصحاب التحديات البصرية كما هو الحال في أميركا وأوروبا· ولذا فقد سعوا جاهدين لنقل خبرتهم في هذا المجال لتكون مقصد الإخوة من أصحاب التحديات البصرية الطامحين إلى تطوير أنفسهم ومواكبة المستجدات العصرية من حولهم سواء في التعليم أو العمل أو مزاولة أنشطة حياتهم اليومية· ومن أهم الإنجازات التي حققتها توفير آلة نطق عربية تقوم بتحويل النص العادي إلى منطوق· وتقوم هذه الآلة بالعمل مع أي نص عربي محرر بشكل إليكتروني حيث يتم تشكيله وتصريفه نحويا، ومن ثم نطقه بصوت مسموع وواضح· وكذلك برنامج قارئ الشاشة الناطق العربي الذي يسهل على المكفوفين وضعاف البصر استخدام جهاز الحاسوب بفاعلية وكفاءة كما هو الحال بالنسبة لنظرائهم المبصرين·
- الرجاء تسجيل الدخول لتُعلق.